اشتهر فريق التطوير الأمريكي Naughty Dog منذ سنوات طويلة بقدراته التقنية وإمكانياته في استخراج أفضل ما يُمكن تقديمه رسومياً لصالح الأجهزة التي يعمل عليها، وكان هذا يبدو جلياً من خلال الرسومات الرائعة التي قدمتها لعبة Jak & Daxter ومن ثم كل من Jak 2 و Jak 3 على جهاز بلايستيشن2 الذي عُرف عنه مدى صعوبة تطوير الألعاب عليه.
مع ذلك، كل شيء تغير مع الاستوديو عندما صدرت لعبة Uncharted، التي شهدت نقلة للاستوديو نحو العوالم والقصص الأكثر واقعية، والانتقال إلى صنف ألعاب الأكشن والمغامرة بدلاً من ألعاب المنصات. شخصياً لم أكن أكبر المعجبين بالجزء الأول من السلسلة خاصة مع نظام إطلاق النار الذي لم يكن بمستوى منافسيه، بالإضافة إلى أن اللعبة لم تأت بجديد بقدر خلطها لعدة طرق وأنواع لعب مجربة (مثل تومب رايدر، أمير بلاد فارس، ريزدنت ايفل4)، إلا أنني قمتُ بتجربة الجزء الثاني عند أحد الأصدقاء لأقرر اقتناء جهاز بلايستيشن3 وتلفاز جديد مع الجزء الثاني من السلسلة خصيصاً. أنشارتد2 لم تكن فقط نقلة كبيرة للاستوديو وإنما نقلة لكل صناعة الألعاب بالوضوح العالي.
حسناً، لنسلط الضوء على أبرز المزايا التقنية في سلسلة أنشارتد، والتي نعتقد بأنها ألقت بظلالها على صناعة ألعاب الفيديو ككل:
1- السينمائية أثناء اللعب
أحد المفاهيم التي طورها استوديو نوتي دوج هي التزاوج بين طريقة اللعب والسرد القصصي، عوضاً عن الأسلوب المعتاد في تصميم الألعاب عن طريق تصميم جزئيات اللعب والعروض السينمائية cut-scenes بشكل منفصل. أنشارتد2 حققت نجاحاً باهراً على هذا الصعيد، وكمثال فهناك جزئية المقدمة في اللعبة التي يحاول من خلالها نيثن دريك الخروج من حطام قطار يوشك على السقوط من حافة الهاوية. بدلاً من تنفيذ المقطع عن طريق عروض الفيديو فإن اللاعب يتسلق بقايا القطار ويحاول الصعود إلى الأعلى، في نفس الوقت الذي يستمر فيه القطار بالتحطم والميل إلى السقوط.
لم يكن المزج التكنولوجي هو طريقة نوتي دوج الوحيدة للتزاوج بين اللعب والسينمائية، بل هناك أيضاً المحادثات والتعليقات المستمرة ذات الطابع الكوميدي من نيثن دريك و بقية الشخصيات. هذه الحوارات المستمرة والتعليق المستمر من نيثن دريك على كل ما يحصل في اللعبة لم يكن فقط بغرض قصصي، وإنما أيضاً لخلق الوهم السينمائي الذي برع فيه الاستوديو وأتقنه بصورة كبيرة جداً.
2- تمويه أوقات التحميل
تمويه أوقات التحميل أو الMasking هو أحد النقاط التي يبرع فيها استوديو نوتي دوج حتى قبل تطوير سلسلة أنشارتد. لماذا؟ ببساطة كثرة أوقات التحميل تكسر انغماس اللاعب في أجواء وعالم اللعبة ولذلك يحاول المطورون بقدر الإمكان تجنب أوقات التحميل الطويلة. حسناً مع سلسلة أنشارتد نجح استوديو نوتي دوج في استعمال حيل تقنية عديدة تقوم بالتغطية على أوقات التحميل بين مناطق اللعب المختلفة، وذلك عن طريق القيام بأوقات التحميل أثناء انتقال اللاعب من مكان إلى آخر عن طريق المرور في أماكن ضيقة جداً، أو خلال عرض بعض المقاطع السينمائية. طريقة التمويه عن طريق المرور في الأماكن الضيقة تم نقلها واستنساخها في العديد من الألعاب الأخرى.
3- التفاعل مع البيئة المُحيطة
نقطة أخرى أبدع بها الاستوديو كثيراً في سلسلة أنشارتد هي طريقة اللاعب في التفاعل مع البيئة المُحيطة، حيث يقوم دريك برفع يديه عندما يمر بجانب مصدر للنار مثلاً. تنفيذ هذه الحيلة البرمجية ليس صعباً لكن أكثر الأفكار عبقرية في الحياة هو أكثرها بساطة، وهذه الحيلة في التفاعل مع البيئة المُحيطة أو متغيرات الطقس تم استعمالها بعد ذلك في الكثير من الألعاب الأخرى. في أنشارتد4 يُمكنك أن تُشاهد دريك وهو يقوم بردة فعل متوترة جراء الرصاصات المتطايرة من حوله.
هناك أيضاً عناصر أخرى إبداعية ظهرت في البيئة المحيطة المتفاعلة، إليك مثلاً مرحلة القصر المحترق في أنشارتد الثالثة وتقديم الاحتراق في الزمن الحقيقي عوضاً عن انتظار اللاعب للوصول إلى نقاط معينة، وهناك أيضاً مرحلة السفينة التي كانت تغرق وتمتلىء بالمياه أثناء الزمن الحقيقي وليس بطريقة مُعدة مُسبقاً scripted.
4- التحريك متعدد الطبقات
التحريك متعدد الطبقات هو أحد أبرز نقاط القوة التي برزت بها سلسلة أنشارتد وفريق التطوير نوتي دوج، وذلك عن طريق مزج وضعيات حركية عديدة وكبيرة جداً لشخصية نيثن دريك، حيث تختار الشخصية وضعية التحريك المناسبة والأفضل بناء على البيئة، صعود أو هبوط درج على سبيل المثال، أو المشي فوق منطقة ثلجية أو رملية، أو عشبية، وما إلى ذلك. استوديو نوتي دوج سبق له إلقاء كلمة في معرض GDC حول التحريك الطبقي لسلسلة أنشارتد.
الإضافة إلى ذلك ظهر نظام مدهش في أنشارتد الثالثة (تم تحسينه وتطويره لاحقاً في كل من The Last of Us وأنشارتد الرابعة) يخدم المواجهات القتالية اليدوية كثيراً، حيث نُشاهد دريك يقوم بضرب الأعداء بالبيئة المحيطة مثل الطاولات أو الكراسي مثلاً. كيف تعمل هذه التقنية ؟ يُطلق جسد الشخصية خيوطاً ليزرية خفية ترتطم البيئة من حول الشخصية، وبناء على ذلك تتخذ اللعبة القرار الأمثل عند ضغط زر القتال اليدوي واختيار كيفية تنفيذ الضربة بالاعتماد على البيئة.
حسناً، نود أن نشير ومن باب الأمانة بأن هذه التقنية سبق لنا مشاهدتها بلعبة أخرى قبل أنشارتد الثالثة، لعبة ربما لم تلاقي الكثير من الشهرة والنجاح إلا أنها حتماً احتوت هذه التقنية ونفذتها ببراعة كبيرة وهي لعبة The Bourne Conspiracy التي صدرت لكل من البلايستيشن3 والإكس بوكس360.
قد تختلف الآراء بين اللاعبين حول مستوى و عمق طريقة اللعب في سلسلة أنشارتد وفيما إذا كان ينبغي للسلسلة تقديم المزيد من عناصر اللعب، لكن الشيء الذي لن يختلف عليه اثنان هو بكون اللعبة قدمت خدمات جليلة لعالم ألعاب الفيديو على الصعيد التقني ودفعت به إلى الأمام. الجميع أصبح ينتظر الخطوة التالية من الاستوديو الموهوب Naughty Dog.
0 التعليقات :
إرسال تعليق